الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
<فائدة> أخرج في الحلية عن أنس مرفوعاً "يأتي على الناس زمان يدعو فيه المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما العامّة فإني عليهم ساخط". - (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوساً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن. [ص 354] 627 - (إذا رأيت) لفظ رواية البزار: رأيتم (أمتي) يعني صارت أمتي إلى حالة (تهاب) أي تخاف (الظالم) الجائر المتعدي لحدوده تعالى (أن تقول له إنك ظالم) أي تكفه عن الظلم وتشهد عليه به أو لا تنكر عليه مع القدرة (فقد تودع منهم) بضم أوله بضبط المؤلف والتشديد أي استوى وجودهم وعدمهم. أو تركوا وأسلموا (قوله وأسلموا: بضم الهمزة وكسر اللام بينهما سين ساكنة مبني لما لم يسم فاعله: أي خذلهم الله أهـ) ما استحقوه من النكير عليهم واستريح منهم وخذلوا وخلى بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي ليعاقبوا عليها وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح شخص إذا أيس من صلاحه تركه ونفض يده منه واستراح من معاناة النصب في إصلاحه. ويجوز كونه من قولهم تودعت الشيء أي صنته في ميدع أي ثوب لف فيه ليكون كالغلاف له: أي فقد صاروا بحيث يتصوّن منهم ويتحفظ كما يتوقى شرار الناس. ذكره كله الزمخشري وقال القاضي: أصله من التوديع وهو الترك وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرحمن. قال في الإحياء: لكن الأمر بالمعروف مع الولاة هو التعريف والوعظ. أما المنع بالقهر فليس للآحاد لأنه يحرك فتنة ويهيج شراً. وأما الفحش في القول: كيا ظالم، يا من لا يخاف الله، فإن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف إلا على نفسه جاز بل ندب فقد كانت عادة السلف التصريح بالإنكار والتعرض للأخطار. - (حم طب ك هب) من حديث محمد بن مسلم (عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص، لكن تعقبه البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي ولم يسمع من ابن عمرو (طس عن جابر) وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني وقال الهيتمي رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح، وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه، فقد رواه الترمذي. 628 - (إذا رأيت العالم) يعني وجدته (يخالط) أي يداخل (السلطان) الإمام الأعظم أو أحد نوابه (مخالطة كثيرة) أي مداخلة كثيرة عادة. قال المرزوقي: وأصل الخلطة تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض، وقد توسع فيه حتى قيل رجل خليط إذا اختلط بالناس كثيراً (فاعلم أنه لص) بتثليث اللام: أي سارق: أي محتال على اقتناص الدنيا وجذبها إليه من حرام وغيره كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة الفانية وإيثارها على الآخرة السنية الباقية وعماه عن وبال ذلك في العقبى كما حكى أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز أراد الجري على منواله حتى شهد له أربعون شيخاً أن الخليفة لا حساب عليه فترك. ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور فقضاها، فقال: يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى، قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة، فقال له بعض من حضر: إياك وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المآمن وأصل ذلك كله الطمع، والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات الكثيرة مداخل الآفات منها على المخلوقات والحمية عنها أصل الدواء، فمن لم يحتم من المنهيات لم ينفعه التداوي بالمأمورات، فهؤلاء خدموا العلم دهرهم، وصاموا نهارهم، وقاموا ليلهم، وأتوا بالحسنات كالجبال، لكنهم تلطخوا بالأقذار لما لم يتجمعوا عن التردّد على أبواب الظلمة لينالوا من دنياهم التي نهوا عن زهرتها فلم ينفعهم الدواء:. واحترز بقوله كثيرة عما لو خالطه أحياناً بأقل ممكن لنحو شفاعة أو نظر مظلوم أو وعظ. - (فر عن أبي هريرة) إسناده جيد. 629 - (إذا رأيت الله تعالى) أي علمت أنه (يعطي العبد) عبر بالمضارع إشارة إلى تجدد الإعطاء وتكرره (من الدنيا) [ص 355] أي من زهرتها وزينتها (ما يحبه) أي العبد من نحو مال وولد وجاه (وهو مقيم) أي والحال أنه مقيم (على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها (فإنما ذلك) أي فاعلموا أنما إعطاؤه ما يحب من الدنيا (منه) أي من الله (استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى، فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلاً قليلاً ثم يصبه عليه صباً. قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر، فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب، ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه، وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات - (حم طب حب عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: 630 - (إذا رأيت من) أي في (أخيك) في الدين (ثلاث خصال) أي فعل ثلاث خصال (فارجه) أي فأمل أن ينتفع برأيه ومشورته، أو فارج له الفلاح والفوز بالنجاح لما لاح فيه من مخايل الخير وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال، وهي: (الحياء، والأمانة، والصدق) فإنها أمهات مكارم الأخلاق، فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح. وقدّم الحياء في الذكر لأنه أصل ما بعده وأسه، وعنه يتفرع ومنه ينشأ (وإذا لم ترها) مجتمعة فيه (فلا ترجه) لشيء مما ذكر ولا يؤمل فلاحه، لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة وجرأته على الله وعلى عباده. والغرض: الإيذان بأنه من أهل الخذلان فإنه يخلى وشأنه. فإن وجد فيه بعضها وفقد بعضها فهو من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. فالمراد أن من اجتمعت فيه يرجى فلاحه رجاء يقرب من القطع، ومن فقدت منه كلها يرجى عدمه كذلك. - (عد فر عن ابن عباس) قال العلائي: فيه عبد الرحمن بن معين وثقه أبو زرعة وطعن فيه غيره، وشيخه رشد بن كريب ضعيف. 631 - (إذا رأيت كلما) بالنصب على الظرفية (طلبت شيئاً من أمر الآخرة) أي من الأمور المتعلقة بها (وابتغيته يسر) بضم المثناة تحت وكسر السين مشددة بضبط المؤلف (لك) أي تهيأ وحصل بسهولة (وإذا أردت شيئاً من أمور الدنيا) أي من الأمور المتعلقة بها من نيل اللذات والتوسع في الشهوات، ولا يدخل فيه طلب الكسب الحلال وتيسر حصوله (وابتغيته عسر عليك) أي صعب فلم يحصل إلا بتعب وكلفة (فاعلم [ص 356] أنك على حالة حسنة) أي دالة على كونك من السعداء، لأنه تعالى إنما زوى عنك الدنيا وعرضك للبلاء لينقيك من دنسك ويريحك في الآخرة ويرفع درجتك. ألا ترى أن الدواء الكريه نعمة في حق المريض؟ وقد يكون المال والأهل سبباً للهلاك، وهو أعلم بما يصلح فيه عباده. وهذا كالذي بعده غالبي، وقد يكون على حالة حسنة مع تيسير الدنيا، وهذا يكون على حالة قبيحة مع عدمه. ثم إن قلت الابتغاء الطلب - كما في الصحاح - فكيف عطف عليه؟ (قلت) الطلب أعم، والابتغاء أخص كما قال الراغب: الابتغاء بالاجتهاد في الطلب، فمتى كان الطلب بشيء محمود فالابتغاء فيه محمود وكذا عكسه، والعسر: الصعوبة الشديدة، واليسر - بالضم - ضده، والحال - كما قال الراغب - ما يخص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه وجسمه وصفاته، والحال صفة شيء يذكر ويؤنث فيقال حال حسن وحسنة (وإذا رأيت كلما طلبت شيئاً من أمر الآخرة وابتغيته عسر عليك، وإذا طلبت شيئاً من أمر الدنيا وابتغيته يسر لك فأنت على حال قبيحة) فإن النعم محن، والله يبلو بالنعمة كما يبلو بالنقمة - (ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (مرسلاً) أرسله عن أبي هريرة وغيره. قال أحمد: لا بأس بك (هب عن عمر) ابن الخطاب، ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره، ولا كذلك، بل تعقبه بما نصه: هكذا جاء منقطعاً. أهـ. فحذف ذلك من كلامه غير صواب، ورمز لحسنه غير حسن إلا أن يريد أنه لغيره. 632 - (إذا رأيتم من) أي مكلفاً (يبيع أو يبتاع) أي يشتري (في المسجد فقولوا) أي ادعوا عليه ندباً وقيل وجوباً بنحو (لا أربح الله تجارتك) فإن المسجد سوق الآخرة، فمن عكس وجعله سوقاً للدنيا فحري بأنه يدعى عليه بالخسران والحرمان، وليس الوقف على قوله: لا كما يتوهمه بعض الجاهلين - بل المراد الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان كما صرح به مع وضوحه بعض الأعيان منهم النووي في الأذكار حيث قال: باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالته [ص 357] في المسجد أو يبيع فيه: ثم أورد فيه أحاديث هذا منها، قال جمع من أئمتنا: يندب لمن راى من يبيع أو يشتري أو ينشد ضالته في المسجد أن يقول: لا أربح الله تجارتك، ولا وجدت: ثم إن هذا وما بعده من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويشترط له شروطه، وإذا دعا عليه بذلك فإن انزجر وكف فذاك، وإلا كرره، وعليه حمل ما وقع في حديث ثوبان من أنه يكرره ثلاثاً (وإذا رأيتم من ينشد) بفتح أوله يتطلب (فيه ضالة) بالتاء، يقع على الذكر والأنثى، يقال ضللت الشيء إذا أخطأته فلم تهتد له، ويختص أصالة بالحيوان، والمراد هنا شيء ضاع (فقولوا) له (لا ردّها) الله (عليك) أو لا وجدت كما في رواية - زجراً له عن ترك تعظيم المسجد، زاد مسلم: فإن المساجد لم تبن لهذا: أي وإنما بنيت لذكر الله تعالى والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحو ذلك، ولما وضع الشيء في غير محله ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان معاقبة له بنقيض قصده وترهيباً وتنفيراً من مثل فعله، فيكره ذلك بالمسجد تنزيهاً عند الشافعي إلا لضرورة وقيده الحنفية بما إذا أكثر ذلك فيه، ونبه بذكر البيع والشراء على كل معاملة واقتضاء حق ورام زيادة التنبيه على ذلك بذكر النشد فإن صاحب الضالة معلق القلب بها، وغيره مأمور بمعاونته فإذا منع فغيرة من كل أمر دنيوي أولى للكلام فيمن بلغه النهي فخالف إذا أمكنه التعلم ففرط، أما غيره فمعذور فلا يدعى عليه، بل يعلم، وألحق جمع - منهم الحافظ العراقي بإنشاد الضالة تعريفها. ولذلك قال الشافعية: يعرفها على باب المسجد قال النووي: وفيه كراهة نشد الضالة ورفع الصوت فيه. قال القاضي: قال مالك وجمع من العلماء: يكره رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغيرهما. - (ت ك) والنسائي والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب، وقال الحاكم على شرط مسلم، وأقره الذهبي. 633 - (إذا رأيتم الرج ليتعزى) أي ينتسب (بعزاء الجاهلية) أي بنسبها والانتماء إليها، يقال: اعتزى إليه أي انتسب وانتمى وتعزى كذلك (فأعضوه) أي اشتموه (بهن أبيه) أي قولوا له: اعضض بِهَنِّ أبيك أو بذَكَرِهِ، وصَرِّحُوا بلفظ الذكر [وليتنبه هنا أنه في حالات خاصة جدا فقط، يسمح باستعمال الألفاظ الشديدة للزجر، تناسبا مع فحش خطأ المزجور، مع مراعاة صيانة اللسان قدر الإمكان عن مثل تلك الألفاظ، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث لعدم ضرورة تصريحه بالكلام القاسي ولو في هذا الموضع بالذات. دار الحديث] (ولا تكنوا) عنه بالهن تنكيراً وزجراً، وقيل معناه من انتسب وانتمى إلى الجاهلية بإحياء سنة أهلها واتباع سبيلهم في الشتم واللعن والتعبير ومواجهتكم بالمنكر فاذكروا له قبائح آبائه من عبادة الأصنام وشرب الخمر وغيرهما صريحاً لا كناية ليرتدع به عن التعرض للأعراض. وقال ابن جرير: معنى الاعتراض هنا إنما هو دعوى القائل يا آل فلان: أي تعريضاً بنجدتهم وتذكيراً بشجاعتهم. قال: وهذا مخصوص بغير الحرب، فلا بأس بذكر القبائل فيه، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر في وقعة هوازن العباس أن ينادي بأعلى صوته: أين أصحاب الشجرة يا بني الحارث؟ أين الخزرج يا كذا يا كذا؟ فهو منهي عنه إلا في هذا الموضع. وخص الأب لأن هتك عورته أقبح. - (حم ت عن أبيّ) بن كعب، ورواه عنه أيضاً الطبراني: قال الهيتمي رجاله ثقات. 634 - (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد) أي الجلوس في المساجد التي هي جنات الدنيا لكونها أسباباً موصلة إلى الجنان التي هي مقر أهل الإيمان، أو معناه وجدتم قلبه معلقاً بها منذ يخرج منها إلى عوده إليها، أو شديد الحب لها والملازمة لجماعتها وتعهدها بالصلاة فيها كلما حضرت أو يعمرها ويجدد ما درس منها ويسعى في مصالحها والأوجه حمله على الكل فمن لزمها لنحو اعتكاف أو اجتهاد أو تعلق قلبه بها أو عمرها بنحو ذكر وصلاة أو عمر ما تهدم منها وسعى في إقامة شعارها (فاشهدوا له بالإيمان) أي اقطعوا له بأنه مؤمن حقاً في ظاهر الحال، فإن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب اللسان على سبيل القطع ذكره الطيبي قال ابن أبي جمرة: وفيه أن التزكية بالقطع [ص 358] ممنوعة إلا بنص لأنه حكم على الغيب وهو على البشر مستحيل قال: ولا ينافيه النهي عن مدح الرجل في وجهه لأن هذه شهادة وقعت على شيء وجد حساً والفعل الحسي يظهر دليل على الإيمان وعلة النهي عن المدح في الوجه ممنوعة خوف الاغترار والإعجاب في هذا معدومة لأنها شهادة بالأصل وهو الإيمان انتهى ولا يخفى تكلفه قال ابن المسيب: ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيراً. - (حم ت ه وابن خزيمة) في صحيحه (حب ك هق عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم ترجمة صحيحة مصرية وتعقبه الذهبي بأن فيه دراج وهو كثير المناكير وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الترمذي والحاكم وغيره فإن الله يقول: 635 - (إذا رأيتم الرجل) في رواية أبي نعيم بدله العبد (قد أعطي) بالبناء للمفعول أي أعطاه الله وفي رواية أبي نعيم بدله يعطى (زهداً في الدنيا) أي استصغاراً لها واحتقاراً لشأنها وأهلها (وقلة منطق) كمحمل أي عدم كلام في غير طاعة إلا بقدر الحاجة. قال في الكشاف: والمنطق كلما يصوت به من مفرد ومؤلف مفيد أو غيره (فاقتربوا منه فإنه يلقى) بقاف مشددة مفتوحة (الحكمة) أي يعلم دقائق الإشارات الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى والحكمة مثال الأمر الذي عسر بسبب فيه يسر فينال الحكيم بحكمته لاطلاعه على أقصى مجعول الأسباب بعضها لبعض مما بين أسباب عاجل الدنيا ومسببات أجل الآخرة ما لا يصل إليه جهد العاقل الكادح، وللناس في تعريف الحكمة أقوال كثيرة منها الإصابة في القول وإتقان العمل وأصلها الإحكام وهو وضع الشيء في محله بحيث يمتنع فساده ومن اتصف بذلك فأعماله منقحة وأفعاله محكمة فإنه يرى الأشياء كما هي فإنه ينظر بنور الله ومن كان هذا وصفه أصاب في منطقه. - (ه حل هب عن أبي خلاد) الرعيني وله صحبة وفيه هشام بن عمار قال الذهبي عن أبي حاتم ثقة تغير فلقن كما تلقن عن الحكم بن هشام لا يحتج به (حل) من حديث حرملة بن يحيى عن وهب عن ابن عيينة عن عمرو بن الحارث عن ابن هبيرة عن ابن حجيرة عن أبي هريرة ثم قال غريب بهذا الإسناد (هب عن أبي هريرة) وفيه عنده عثمان بن صالح وفيه كلام معروف عن دراج منكر الحديث ومن ثم قال العراقي في الحديث ضعيف. 636 - (إذا رأيتم الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان المعصوم (يقتل صبراً) أي يمسك فيقتل في غير معركة، قال في الكشاف: وقتل الصبر أن يأخذ بيده فيضرب عنقه (فلا تحضروا مكانه) أي لا تقصدوا حضور المحل الذي يقتل فيه حال القتل ويحتمل النهي عن الحضور في محل قتله وقته وبعده لالتحاق المحل بالأماكن المغضوب عليها كديار ثمود (فإنه لعله يقتل ظلماً فتنزل السخطة) أي الغضب من الله (فتصيبكم) والمراد ما يترتب على الغضب من نزول العذاب، ويؤخذ منه أنه لو علم أنه يقتل بحق لم يكن الحضور منهياً عنه، نعم إن وقع التعدي في كيفية القتل نهى عن حضوره فيما يظهر والسخط بالضم الغضب وفي رواية للبيهقي بدل فتنزل إلى آخره فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوماً فإن اللعنة تنزل على من حضره انتهى. - (ابن سعد) في الطبقات (طب) كلاهما (عن خرشه) بخاء معجمة وراء وشين معجمة مقتوحات ابن الحارث المرادي من بني زبيد، وفد على [ص 359] المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر وحديثه حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه. 637 - (إذا رأيتم) أي وجدتم (الذين يسبون) أي يشتمون (أصحابي) كلهم أو بعضهم (فقولوا) لهم (لعنة الله على شركم) قال الزمخشري: هذا من كلام المنصف الذي كل من يسمعه من موال أو منافر قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك فهو على وزان {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} وقول حسان: وشركما لخيركما الفداء والتعريض والتورية أوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم على القلب وأدعى إلى القبول وأبعث على الاستماع والامتثال ولو قال فالعنوهم لم يكن بتلك المثابة وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه حكي عن الشافعي أن رجلاً واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال ما هو بيتي ولا بيتكم إلى هنا كلامه ولم يطلع عليه من عزاه للطيبي كالمؤلف. - (ت عن ابن عمر) ظاهر صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره ولا كذلك بل عقبه بأنه منكر وعزو الحديث لمخرجه مع حذف ما أعقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ورواه الطبراني أيضاً عن ابن عمر باللفظ المذكور قال الهيتمي وفيه سيف بن عمر متروك. 638 - (إذا رأيتم الجنازة) بفتح الجيم وكسرها أي الميت في النعش (فقوموا لها) هبها مسلمة أم ذمية ففي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنه يهودي فقال أليست نفساً؟ وذلك إكراماً لقابض روحها أو لأجل ما معها من الملائكة والمراد في الكافر ملائكة العذاب أو لصعوبة الموت وتذكره، لا لذات الميت، فالقيام لتعظيم أمر الموت وإجلال حكم الله. وقال القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت أي المسلم وإما تهويل الموت والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى ميتاً رعباً منه (حتى تخلفكم) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر اللام مشددة أي تترككم خلفها وفي نسبة ذلك إليها تجوز لأن المخلف حاملها لا هي (أو توضع) عن الأعناق على الأرض أو في اللحد، وأو للتنويع والأمر بالقيام إنما هو للقاعد أما الراكب فيقف وفيه أن القيام للجنازة مشروع لما ذكر وبه أخذ جمع من السلف والخلف وتبعهم النووي في المجموع فاختار ندبه من حيث الدليل مخالفاً لما جرى عليه في روضته من الكراهة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه أن الأمر بالقيام منسوخ لخبر مسلم عن علي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا وخبر أبي داود قام في الجنازة ثم قعد. قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين أحدهما أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا نجاوزت وبعدت عنه والثاني أنه كان يقوم أياماً ثم لم يكن يقوم بعد ذلك وعليه يكون فعله الأخير قرينة وإمارة على أن الأمر الوارد في الخبر للندب ويحتمل أن يكون ناسخاً للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر وإن كان مخصوصاً بنا دونه لأن الآمر لا يكون مأموراً بأمره والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث أنه يجب علينا الأخذ به عارضه فنسخه والأول أرحج لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ انتهى. ثم هذا كله في القاعد إذا مرت به أما مشيعها فيندب أن لا يقعد حتى توضع كما جزم به بعضهم لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا شيع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له إنا هكذا نصنع يا محمد فجلس وقال خالفوهم. - (حم ق 4 عن عامر بن ربيعة) ورواه عنه أيضاً ابن حبان والشافعي. 639 - (إذا رأيتم آية) علامة تبدو بنزول بلاء ومحنة وانقشاع سحب الرحمة ومنه انقراض الأنبياء وأزواجهم الآخذات عنهم إذ هن ذوات البركة الناقلات لنا عنهم بواطن الشريعة ما لا يظهر عليه الرجال فبحياتهم يندفع العذاب عن الناس [ص 360] (فاسجدوا) لله التجاءاً إليه ولياذاً به في دفع ما عساه يحصل من العذاب عند انقطاع بركتهن فالسجود لدفع الخلل الحاصل وفي خبر: أنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأهل الأرض: وأزواجه ضممن شرف الزوجية إلى شرف الصحبة فهنّ أحق بهذا المعنى من غيرهن وزوال الأمنة توجب الخوف ذكره القاضي ومنه أخذ السجود للآيات قال الطيبي: وقوله إذا رأيتم آية فاسجدوا مطلق فإن أريد بالآية كسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها كمجيء نحو ريح شديد وزلزلة فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضاً لما ورد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. إلى هنا كلامه. وما جرى عليه من مشروعية السجود وقد يقال إن هذا الحكم في اندفاع النقمة للذي يسنّ السجود له فإن موت من يدفع الله عنا بوجوده النقمة نقمة. - (د ت) كلاهما من حديث إبراهيم بن الحكم ومسلم بن جعفر عن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال عكرمة: قيل له ماتت فلانة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي وهي صفية كما أفصح به المظهر فخر ساجداً فقيل له تسجد هذه الساعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره ثم قال: وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال الترمذي حسن غريب واغتر به المؤلف فرمز لحسنه غفولاً عن تعقب الذهبي له في المهذب فإن إبراهيم واه، وعن قول جمع: مسلم بن جعفر لا يحتج به. 640 - (إذا رأيتم) أي علمتم (الأمر) أي المنكر والحال أنكم (لا تستطيعون تغييره) بيد ولا لسان لعجزكم عن ذلك خوف فتنة أو وقوع محذور بمحترم (فاصبروا) كارهين له بقلوبكم طالبين من الله تعالى زواله (حتى) أي إلى أن (يكون الله هو) لا غيره (الذي يغيره) أي يزيله فلا إثم عليكم حالتئذ إذ - (عد هب عن أبي أمامة) وفيه كما قال الهيتمي عفير ين معدان ضعيف وفي الميزان حديث منكر. 641 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) أي قولوا الله أكبر الله أكبر وكرروا كثيراً وينبغي الجهر به مخلصاً لله ممتثلاً للأمر مستحضراً ما لله من عظيم القدرة (فإن التكبير يطفئه) حيث صدر عن كمال إخلاص وقوة إيقان وتخصيص التكبير للإيذان بأن من هو أكبر من كل شيء حري بأن يقهر النار ويطفئها. قال النووي: ويسن أن يدعو معه بدعاء الكرب وفي تفسير الطبري إذا كتبت أسماء أصحاب الكهف في شيء وألقى في النار طفئت وينبغي أن يقول بسم الله الرحمن الرحمن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يصرف عنه البلاء وأن يقول ما قال إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل. - (ابن السني عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) ابن العاص وهو من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحال ابن لهيعة معروف والكلام فيه مشهور ورواه عنه أيضاً الطبراني في الدعاء باللفظ المذكور وإسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما ذكره بقوله. 642 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) الله (فإنه) أي التكبير (يطفئ النار) سره أنه لما كان الحريق بالنار وهي مادة [ص 361] الشيطان التي خلق منها وكأن فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد والعلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان وإليهما يدعو وبهما يملك ابن آدم فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو والفساد وكبرياء الرب يقمع الشيطان وفعله فمن ثم كان التكبير له التأثير في إطفاء الحريق فإنه كبرياء الله لا يقوم له شيء فإذا كبر أثر تكبيره في خمودها قال بعض القدماء وقد جربناه فصح. - (عد عن ابن عباس) وقد رمز لحسنه وذلك لاعتضاده بما قبله ولخبر الطبراني أطفئوا الحريق بالتكبير وخبر ابن السني إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يطفئ العجاج الأسود. وهذا الحديث في نسخ لا تكاد تحصى ولم أره في خط المؤلف. 643 - (إذا رأيتم العبد) المؤمن قد (ألم) بالتشديد أي أنزل (الله به الفقر والمرض) ظاهره أن المصافاة الآتية إنما تترتب على هذين معاً فإن ألم به أحدهما لم يكن دليلاً على المصافاة ولعل المراد خلافه وأن الواو بمعنى أو (فإن الله) أي فاعلموا أو فالشأن أن الله (يريد) أي أراد (أن يصافيه) أي يستخلصه لوداده ويجعله من جملة أحبابه لأن الفقر أشد البلاء فيفعله بعبده ليدعوه ويجأر إليه فيراه مفتقراً إليه فيجيبه إذا دعاه ويصبره إذا ابتلاه فيصير عنده من المقربين، والأمراض والآلام تطهير من الآثام ويستوجب إفاضة صنوف الإنعام والإكرام - (فر عن علي) أمير المؤمنين. 644 - (إذا رأيتم) النسوة (اللاتي ألقين) بالقاف أي جعلن (على رؤوسهن مثل أسنمة البعير) بعين مهملة جمع بعير وفي رواية كأسنمة البخت أي اللائي يجعلن على رؤوسهن ما يكبرها وبعظمها من الخرق والعصائب والخمر حتى تصير تشبه العمائم وأسنمة الإبل وهي جمع سنام. قال ابن العربي: وهذا كناية عن تكبير رأسها بالخرق حتى يظن الرائي أنه كله شعر وهو حرام ولذلك قال (فأعلموهن) أي أخبروهن (أنه لا تقبل لهن) ما دام ذلك (صلاة) وإن حكم لها بالصحة كمن صلى في ثوب مغصوب بل أولى لأن فاعل ذلك ارتكب حراماً واحداً وهو الغصب وهن ارتكبن عدة محرمات: التشبه بالرجال والاسراف والاعجاب وغيرها، وهذا من علامات نبوته إذ هو إخبار عن غيب وقع ودام وفي رواية لا يدخلن الجنة قال القاضي: ومعناه أنهن لا يدخلنها ولا يجدن ريحها حتى يدخلها ويجد ريحها العفائف المتورعات لا أنهن لا يدخلن الجنة أبداً لقوله في الخبر المار وإن زنى وإن سرق قال ابن العربي: فعلى النساء أن يصغرن رؤوسهن سيما عند الخروج فإن كان شعرها كثيراً أرسلته ولا تعظمه فإن كان بها ألم في رأسها فأكثرت لأجله من الخمر لم تدخل في الوعيد ولم يكن عليها حرج وإنما الحرج على من نظر إليها وظن ذلك. - (طب) وكذا البزار (عن أبي شقيرة) بفتح الشين المعجمة التميمي قال الهيتمي: فيه حماد بن يزيد عن مخلد بن عقبة ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في إسناده نظر. 645 - (إذا رأيتم) في نواحي السماء (عموداً أحمر) أي خطاً يشبه العمود الأحمر يظهر (من قبل) بكسر ففتح أي من جهة (المشرق في شهر رمضان) فإن ذلك علامة الجدب والقحط (فادخروا) أمر إرشاد (طعام سنتكم) أي قوت عيالكم تلك السنة التي مبدؤها ظهور ذلك لتطمئن قلوبكم وذلك لا ينافي التوكل بدليل ادخار سيد المتوكلين المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قوت عياله سنة (فإنها سنة جوع) يجوز أن يكون ظهور ذلك علامة للقحط في تلك السنة [ص 362] ولا أثر لظهوره فيما بعدها وهو ما عليه ابن جرير ويحتمل أنه كلما ظهر في سنة كانت كذلك ثم هذا خطاب مشافهة فيحتمل أن يكون خاصاً بأهل الحجاز وأن الجوع يكون في إقليمهم فقط ويحتمل العموم وحكمة التخصيص أنه لما كان نسخة لتقدير الأرزاق وتقديرها وإقرارها على ما اقتضاه القضاء الإلهي فيستنسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر التي هي في رمضان وتسلم إلى ميكائيل الذي هو الملك الموكل بذلك كما أخرجه محيي السنة وغيره ناسب أن يكون ظهور العلامة في الشهر الواقع فيه الاستنساخ وتسليم الصحف وحكمة كون ذلك على الصورة العمودية التي هيئتها الاستطالة دون التربيع والاستدارة وغيرها من الأشكال الإشارة إلى أنه عام يكون شره مستطيراً ويكون جدبه مستمداً عسيراً وحكمة كونه أحمر أن الحمرة لون مذموم فقد نهى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان وذلك أن الشيطان يتزين به ويؤثره على غيره من الألوان كما ورد في عدة أخبار حسان فجعل اللون المكروه المذموم علامة على حصول المكروه وموقع الهموم والغموم، والعرب تسمي عام المحل السنة الحمراء وتصف سنة الجدب بالطول وعليه جرى العرف العام بين الأنام فيقال لليلة الشديدة كانت ليلة طويلة وتسمى نزع الروح من الجسد الذي هو أعظم العذاب بالحمرة فيقال هذا هو الموت الأحمر فلذلك جعل علامة سنة الجوع حمراء وفيه أنه لا بأس بادخار القوت خوف الغلاء وأنه لا ينافي التوكل لكن الكلام في ادّخار غلة أرضه أو ما يشتريه لمؤنة عياله كما يأتي، والإذخار بذال معجمة إعداد الطعام لوقت الحاجة والخطاب لأهل تلك الديار: أعني الأقطار الحجازية كما مر ويحتمل العموم. - (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي: فيه أمّ عبد الله بن خالد بن معدان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات انتهى وله شواهد منها ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث خالد بن معدان إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فاتخذوا من الطعام ما استطعتم فإنها سنة جوع، وعن كثير بن مرة إني لأنتظر ليلة الحدثان في رمضان منذ سبعين سنة قال عبد الرحمن بن جرير هي علامة تكون في السماء يكون اختلاف بين الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت وعن عبد الوهاب بن نحت بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رمضان آية في السماء كعمود ساطع وفي شوال البلاء وفي القعدة الفناء وعن أبي هريرة مرفوعاً تكون آية في شهر رمضان ومن حديث خالد بن معدان أنه سيبدو عمود من نار يطلع من قبل المشرق في شهر رمضان يراه أهل الأرض كلهم فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة وعن كثير بن مرة آية الحدثان في رمضان علامة في السماء بعدها اختلاف الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت قال أبو جعفر ولا يكون ذلك إلا بعد انكساف الشمس والقمر وفي ذلك العام يغار على الحاج. 646 - (إذا رأيتم المداحين) أي الذين صناعتهم الثناء على الناس والمدح كما في الصحاح الثناء الحسن قال التبريزي من قولهم تمدحت الأرض إذا اتسعت فكان معنى مدحته وسعته شكراً (فاحثوا في وجوههم التراب) الحثو في التراب بمنزلة الصب في الماء والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لإيرائه الغرور والتكبر أو أنه يخيب ولا يعطي أو معناه أعطوهم قليلاً، يشبه التراب لقلته وخسته أو اقطعوا ألسنتهم بالمال فإنه شيء حقير كالتراب وهذا يؤذن بذم الاحتراف بالشعر وقيل لا تؤاخ شاعراً فإنه يمدحك بثمن ويهجوك مجاناً قال بعضهم: الكلب والشاعر في منزل * فليت أني لم أكن شاعراً هل هو إلا باسط كفه * يستطعم الوارد والصادرا؟ [ص 363] - (حم خد م ت عن المقداد) بكسر الميم (ابن الأسود طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عمرو) ابن العاص (الحاكم في الكنى) والألقاب (عن أنس) قال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح. 647 - (إذا رأيتم هلال ذي الحجة) بكسر الحاء أفصح من فتحها أي علمتم بدخوله (وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) أي فليجتنب المضحي إزالة شعر نفسه ليبقى كامل الجزاء فيعتق كله من النار. قال التوربيشي: كأن سر ذلك أن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب حيث رأى نفسه مستوجبة العقاب وهو القتل ولم يؤذن فيه ففداها وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه فلذلك نهى عن إزالة الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط مّا عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي لتتم له الفضائل وينزّه عن النقائص والرذائل. وأخذ بظاهره أحمد فحرم إزالة ذلك حتى يضحي وخالفه الأئمة الثلاثة لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجتنب ذلك وهو متواتر وأما خبر أم سلمة هذا فقيل بوقفه وفيه حجة للشافعي أن الأضحية لا تجب إذ التعليق بالإرادة ينافي الوجوب وأوجبها الحنفية على من ملك نصاباً كما مر. - (م عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها. 648 - (إذا رأيتم) خطاب مشافهة وقع للصحابة والمراد به غيرهم من أمته ممن سيكون في آخر الزمان بدليل جعله في خبر آخر من أشراط الساعة (الرايات السود) جمع راية وهي علم الجيش (قد جاءت من قبل خراسان) أي من جهتها. قال ابن كثير: ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فأسلب بها دولة بني أمية بل رايات تأتي صحبة المهدي (فأتوها) للقتال معها والنصرة لأهلها وزاد في رواية ولو حبواً على الثلج (فإن فيها خليفة الله) محمد بن عبد الله (المهدي) الجائي قبل عيسى عليه الصلاة والسلام أو معه وقد ملئت الأرض ظلماً وجوراً فيملؤها قسطاً وعدلاً ويمكث في الخلافة خمساً أو سبعاً أو تسعاً ولا أصل كما قال المؤلف لقول القرطبي إن ظهوره يكون بالمغرب ولا حاجة للأصالة بإيراد ترجمته وأخباره لأن أعلام الأمة وحملة السنة المتقدمين اعتنوا بجمعها بما يتحصل منه في جملة مجلدات سيما ابن أبي شيبة وابن خزيمة وأبو داود وابن حبيب وابن دريد وجمع لا يحصون من علماء الرواية والدراسة وأفردت أخباره يتآليف عشرة أو تزيد وجاء ابن بريدة فجمع زبدها في مجلد حافل سماه العواصم عن الفتن القواصم فمن أكثر من أخباره في شرح هذا الحديث فما أراد إلا تكثير السواد لقلة الأمداد قال الحراني: والخليفة ذات قائم بما يقوم به المستخلف على حسب مرتبة ذلك الخليفة منه انتهى وكل من استخلفه الله في عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم فهو خليفة لكن لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتنفيذ أمره (فإن قلت) ما حكمة إضافته إلى الله وهلا قال الخليفة؟ قلت هو إشارة إلى أنه إنسان كامل قد تجلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل ومحل الاجتهاد والفتوة بحيث لم يفته إلا مقام النبوة وفيه رد على الطيبي كمتبوعه في ذهابهم إلى امتناع أن يقال خليفة الله لغير آدم وداود عليهما السلام. - (حم ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم من حمير أو مذبح أو السراة اشتراه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولم يزل يخدمه سفراً وحضراً وفيه علي بن زيد بن جذعان نقل في الميزان عن أحمد وغيره تضعيفه ثم قال الذهبي أراه حديثاً منكراً وأورده ابن الجوزي في الموضوعات قال ابن حجر ولم يصب إذ ليس فيه متهم بالكذب انتهى وأما خبر ولا مهدي إلا عيسى بن مريم قال الذهبي واه والحاكم ورده متعجباً لا محتجاً والنسائي منكر وبفرض صحته يحتمل أنه سقط منه لفظ زمن بعد إلا وهو مضمر [ص 364] فيه أو معناه لا مهدي كاملاً معصوماً. 649 - (إذا رأيتم الرجل) يعني الإنسان (أصفر الوجه من غير مرض ولا علة) أو مرض لازم أو حدث شاغل لصاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلاً له منعه عن شغله الأول كما في الصحاح وغيره فبين المرض والعلة عموم وخصوص وليس هو من العطف التفسيري كما وهم (فذلك) أي الاصفرار المفهوم من أصفر (من غش) بالكسر عدم نصح (للإسلام في قلبه) أي من إضماره عدم النصح والغل والحقد والحسد للمسلمين يعني أن ذلك الاصفرار علامة تدل على ذلك الإضمار وقد مر أن ذلك يحتمل كونه في جماعة من أهل زمانه من المنافقين أو من اليهود. نعم يظهر أن المخاطب بقوله إذا رأيتم أرباب القلوب ذوو الإيمان الكامل فيهم الذين يدركون ذلك فقد قال الغزالي: حقيقة الكفر والإيمان وحدهما والحق والضلال وسرهما لا ينجلي للقلوب الدنسة بطلب المال والجاه وحبهما فكيف بقلوب امتلأت من سحت الدنيا أولاً ثم صدئت بالخلاعة من أبنائها ثانياً ثم شحت بالغناء المكدر للأوقات ثالثاً ثم زوجت بالسهو واللهو رابعاً ثم شغلت بالانخلاع من حدود الشرع وملازمة خطوات الشيطان خامساً ففاضت منها حرارات الأدناس وعمارات الأوصال وصارت كأنها سراب الحمام في بواليع الحجام انتهى. - (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) بن مالك (وهو مما بيض له) أبو المنصور (الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه على سنده وراويه عن أنس مجهول كما قاله بعض الفحول وقال ابن حجر لا أصل له، إن أراد لا أصل له في صحة ولا حسن وإلا فمسلم وإلا فممنوع. 650 - (إذا رجف) تحرك واضطرب (قلب المؤمن في سبيل الله) أي عند قتال الكفار (تحاتت) تساقطت (خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عذق النخلة) بمهملة فمعجمتين كغلس النخلة بحملها وبكسر فسكون العرجون بما فيه من الشماريخ وهو المراد هنا وفي القاموس القنو وفي إفهامه ترغيب عظيم في الجهاد وإبانة لفضله على كثير من العبادات. - (طب) وكذا في الأوسط (حل) كلاهما (عن) أبي عبد الله (سلمان) الفارسي رمز لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف انتهى وقال الذهبي عمرو متروك وقد تفرد به عن عبد العزيز بن مسلم وفيه جهالة. 651 - (إذا رددت على السائل) أي الطالب منك عطاءاً (ثلاثاً) من المرات معتذراً عن عدم إعطائه (فلم يذهب) لجاجاً وعناداً (فلا بأس) أي لا كراهة وفي رواية فلا عليك (أن تزبره) أي تزجره وتنهره بنحو لا بارك الله فيك لتعديه بما لا يحل له وتخطيه ما هو واجب عليه من عدم الإلحاح في المسألة وظاهره أنه لا ينهر قبل ثلاث فعلى السائل أن يحمد الله ويجمل في الطلب ولا يلح في المسألة فإن خالف استحق النهر وقيل ليس المراد بالسائل هنا المستجدي بل طالب العلم إذا جاء لفقهه فلا تنهره فإن كرر السؤال أولاً وثانياً فإن أجبته وعاد السؤال ثالثاً دلّ على تعنته فازجره لتعديه الأدب واقتحامه النهي الوارد في الخبر الآتي: إذا قعد أحدكم إلي أخيه فليسأله تفقهاً ولا يسأله تعنتاً.
|